اكتب ما تود البحث عنه و اضغط Enter
‏إظهار الرسائل ذات التسميات للكبار فقط. إظهار كافة الرسائل

قصة جنس وسط حقول عباد الشمس

المشاهدات


وسط حقول عباد الشمس الذي لم يتحسس قامته بعد، كان رجل، لم أتبينه جيدا، رجل تجاوز الخمسين بقليل، شعره مخضب بالشيب، يغازل امرأة أسيلة الخد، ذات سوالف طويلة وفاحمة، وهي في خيمة جالسة وسط ظلمة الظل، طلاها سـُخام أسود من كثرة الطبخ تحتها، امتدت إلى أعشاش الرُتـَيـْلاء المسودة بدورها… يغازلها بصوت غنائه المرتفع، فتتسلل إليه بأحضان الدفء ورهبة الشوق…
كان يبسمل متحسسا جسدها الضامر، باحتقار وفخر كبيرين… يبحث عن فقه اللذة الباذخة… تقهقه ببحة وارتخاء، ثم تمتص، بعنف سيجارة يتطلع إليها الرجل بشوق غريب، وتتلوى كشعلة شمعة بفعل نسيم عابر:
لعن الشيطان آ الراجل…. أغـِتـْني بشـْقـَفْ من داك السبسي… أغير به رحلاتي…
تقول للرجل، وكأنها جعلت الجسد الفاني في خدمة صفقات الروح العالية، مثل مناحات صغار يندبون حصار الروح كل مساء…
قام من مكانه، قاصدا باب الخيمة في حذر شديد. صب عليه سطلا باردا وتوضأ. طلب أن تـُفرش له زربية الصلاة… قامت من شرودها المصطنع، خجولة بلباسها القصير الفاضح عن الفخذين شهوانيين…
صلى نوافله، بخاطر مجبور ونفس متشوقة، ثم تطـيـّب، وحمل عنبا وبطيخا ودخل النوالة، فطلب أن يمنحها من صلبه الخالد وليدا.
ابتسمت في خجل، ويقول لها … لا تكرهين إلا الظلال… يا لئيمة حظي… أخدها من يدها، لا بل من روحها، ذهبا إلى جحيم فراش الحب بدم الزمن، كل واحد منهما لا بد أن يعيش أكتر من أربعين عاما نبيا أو رسولا… حتى يحارب الأوهام الكثيرة المعششة في الرأس…
جلس متكئا على سارية الخيمة، ينسج الشعر والخواطر والأزجال والحـِكـَم ليرمي بها كنرد من غبار أو جمرة من لسانه بين شعرها المسدل على ركبتيه… تختبر جمراتها ومداها العابر في التقاط اللوعة والمعنى…
لن يعرف أي واحد – حتى ضنونه – أن علاقته بالسيدة المتدلية بين فخديه، هي علاقة الهزيمة بالنصر، يجره صوتها الجريح المغموس في الوجع، مثل ريشة وسط العواطف…
إنشداده إليها لم يكن عابرا، لكنه كلي، مربوط بالرعشات. جمرة اللسان وسط فم مضغ من السواك الكثير. كانت حـُمرته كافية ليقول أن القبلة في الفم واللوعة في اللسان، ثم يستدرك لتلمـُسها… في دبيب حارق وحار يقود ولا ينقاد…
تهيأ لخوض المعركة وسط ضباب دخان سجائره وشـُقـُوف الكيف الكثيف، تسوقه رياح خفيفة بسوط هادئ… داعبت قضيبه المنتصب في مص ولحس مثير. أخذت تضغط بلطف تارة وتارة أخرى تضرب جنبات ثغرها الفاره المحمر… أخذته عنوة تتحسس به رموش العينين الثاقبتين، تمرره إلى أذنها… تحت صيحات تأوهاته وأنين روحها المهترئة. تـُسلل يدها إلى مهبلها لإثارة دُبـْقـِها العطشان… تتسارع دقات قلبها تحت ضربات حرقة اللقاء… يزيد سرعة لقائه وهي حارسة علاقتها وارتعاشها… في غفلة من اللذة و النشوة رضاعة قضيبه المنتصب الحامي رغوة الشبق واللعاب المنزلق من فمها… لم تطلب ادن الشيخ الغارق في إحساس قضيبه… في سرعة اللحظة والحركة، خرّتْ ساجدة على ركبتيها، يدها على الأرض رافعة خصرها إلى الأعلى، مفترشة زربية الصلاة ومكان العبادة، فاتحة أرجلها، ضاغطة بصدرها الأرض في حركة خفيفة… وله وتأوهات لا حصر لها… جعل دمعة حبيسة العين، متأهبة للتعبير عوض الكلام، بريق حب يتطاير من أعينها واستحلاء لأفعال المرافق الشيخ، الذي وضع كلتا يديه جاذبا إليه بكل قوته حوض خصرها في حركة أخذ ورد تحت أنين صوتها المجفف الهامس بين آه وآح… جبهتها ملتصقة بالأرض، يدها تلوك وتقتفي آثار لذة وسط الفخذين… يرفع قضيبه في ثنايا عجيزتها محاولا العثور على مغارات الجسد المستسلم للرغبة والانتشاء… تتلوى… تطالب بالمزيد بحركات أردافها المبللة بالعرق… تجر شعرها بحنان زائد إلى فمها متحسسة خشونته على خديها الملطخ بسواد الكحل… زُغيبات تتلاصق على شفى الشفتين… تصيح في أنين مرتفع… تدفعه لزيادة سرعة إيلاج القضيب … منتشين بلحظة اللقاء… تحت صياح وأنين النشوة والشبق… نزل ساخنا ملفوفا في حليب دَبـِقٍ في دالك الرحم الواسع والضيق والآمن…
تستجمع عضلات جسدها البض بتثاقل واضح… تبحث بيد أخرى على فوطة تحت أكوام ملابسها. تتحسس سائلا لزجا يسري أثره في أخدود مهبلها… تضع فوطة كسد له بين الفخذين…
في دالك المساء البني بنور يتوارى مغتصبا وظلام متعطش للارتماء بكل جسده… ارتمى الرجل فجأة على ظهره والعرق يتصبب منه مالحا، فيما التصق شعره بجبهته، تبللت ثيابه الخفيفة نتيجة لإفرازات مسام جلده… تنظر إليه وهو السارح في شرود اللحظة من الإرهاق والعياء البين وتقول له:
– الله يسمح لينا من عرقك…

قصة أنا و الشط

المشاهدات


فى السابعه صباحا إبتدأ نشيد الصباح اليومى يخترق أذانى النائمة قادما من ميكروفون مدرسة عبدالمنعم رياض الابتدائية  المجاورة لمنزلى الذى املكة بشارع الحفنى المتفرع من شبرا الخيمة . انتفضت من سريرى و قمت مسرعا الى الحمام و اجريت طقوسى اليومية المعتادة و فى الثامنة الا الربع كنت انا الموظف بالمساحة تامر المسيرى ارتدى قميصا ابيض و بنطلون جينز كحلى و اخترق حارة ام النمل فى طريقى الى اقرب مترو للحاق بمقر عملى و اذ اقتربت من فم الشارع الرئيسى و اذ اضلقى بناظرى ناحية مقهى اللبان اذ رأيت البنت عواطف العاملة بمحل فراخ احمد الجندى و هى تتملص من ذراعى الشط صبى القهوة و كان حمدى الزواوى صاحب محل المستحضرات اسفل منزلى قد اخبرنى من قبل ان البنت عواطف تنزنق يوميا فى قهوة اللبان فى مقابل كوبين من الشاى يوميا يعدهما لها الشط فتعطية بعض القبلات الساخنة و تمنحة جسدها بضع وقت ليعبث بة فيتحسس ثدييها و اردافها و يلتقم شفتيها لدقائق يوميا .. فجال بخاطرى فكرة ما وهى انة اذ ماذا ستفعل عواطف مقابل عشرة او عشرون جنيها اذا ما كانت تمنح هذا القدر للشط مقابل كوبين من الشاى بجنيهين …. راودتنى تلك الفكرة فصممت ان ابتاع فرخة من محل الجندى و انا عائد من عملى و لاحاول ان اتجاذب بعض الحديث مع عواطف و لكن اذ دلفت المحل اذ استقبلتنى عواطف بابتسامة رائعه و رقيقة و كانت عواطف سمراء ممتلئة القوام جسدها ممشوق مؤخرتها كبيرة و اردافها ممتلئة بينما ثدييها المحشورين اسفل بودى احمر و عليهما قميص مشجر يكادان يقفزان من مكانهما مستديرين بحجم كرتى لعبة كرة اليد كان وجهها مليحا برغم السمرة و بعض حبوب الشباب و اذا انا جالس بالغرفة الداخلية للمحل فى انتظار فرختى اقتحمت عواطف الغرفة ووقفت على الباب و استندت بجانبها على حافتة فى وقفة مثيرة اذ ان جيبتها السوداء كانت ممزقة من الجانب فاذا ما مدت ساقا امام اخرى ظهرت ساقها الحريرة البضة و سمانتها المكورة الممتلئة بينما عقدت يديها اسفل ثدييها فاصبحا نافرين قائلة بميوعه : – نورتنا يا استاذ تامر .  – منور بأهلة يا ربنا يخليكى . و اقتربت منى ثم استدارت و بدا انها تبحث عن بعض الادوات فى خزانة ادراج امامها ثم مالت للاسفل و واصلت بحثها فصدرت مؤخرتها الضخمة المكورة ناحيتى كانت فلقتين عظيمتين كهضبتين مرتفعتين بينما ربلة ساقها الممتلئة و ركبتها الناعمة قد تعرت امامى بفضل الجيبة الممزقة و اذ انا قد بدأت أثار و اصبح قضيبى نصف منتصب لرؤية مؤخرتها هذة اذا بها ترجع الى الخلف و تكاد تجلس على ساقى فارتطمت مؤخرتها اللينة بصدرى تماما و استدارت بوجهها فقط و مازالت مؤخرتها فى وجهى و قالت ضاحكة : مش كدة يا تمورة بالراحة عليا و غمزت بعينها فهمت ما تريدة على الفور فوقفت من جلستى ليصبح قضيبى ملتصقا بمؤخرتها بقوة و عنف فاحتضنتها من الخلف و انا لا اكاد اصدق مدى نعومة و طراوة جسدة فانقضت يداى على ثدييها الكبيرين تتفعصهما على مهل بينما ادفع وسطى و قضيبى فى مؤخرتها حتى استدارت فاصبحت فى مواجهتى فالتقت شفتانا و لسانينا مصا و لحسا و قمت بفك ازرار قميصها ثم رفعت عنها البودى فظهر ثدييها الهائلين مخنوقين بحمالة صدر سوداء ناعمة فرفعتها لينطلقا بحلمتيها فى وجهى لاشبعهما مصا و لحسا و شفطا و دعكا بينما وضعت يديها من فوق بنطلونى تتحسس قضيبى المنتصب ثم فجأة صاحت : تامر انت بتحبنى .  – بموت فيكى .  – طيب بجد انا محتاجة 50 جنية . – اللى انت عايزاة . – معلش يا تامر انا عارفة انة ما يصحش بس مفيش حد غيرك الجأ لة و أمى تعبت إمبارح أوى و لازم اوديها لدكتور . – و لا يهمك يا حبيبتى . ثم أخرجت من جيبى 50 جنيها و ضعتهم على الترابيزة أمام عينيها . فمنحتنى ثدييها مرة أخرة و صرت أمتصهما بقوة و هى تتاوة ثم إذ حاولت أن أرفع جيبتها و بدأت أتحسس كلوتها الناعم دفعتنى و صاحت : يا لهوى الحاج زمانة جاى دة ميعادة معلش بكرة بقى يا حبيبى . و النبى قبل ما ييجى . فتلقيت الصدمة كالدش البارد . و بالكاد تركتها تفلت من بين يدى فأخذت تبتسم لى و تداعبنى و تتحسس خدودى بيديها بينما هى ترتدى ملابسها و تصلح طرحتها و شعرها و خرجت لتنهى ما تبقى من فرختى المشوية . و سألتها عن سعر الفرخة فقالت لى : خليها علينا و النبى ما انت دافع . و عندما اصررت اخبرتنى انها بخمسة و اربعون جنيها و لا ادرى لماذا اسعارهم غالية هكذا فانا اذكر ان الفرخة المشوية كانت بخمسة و ثلاثون جنيها منذ اقل من شهر . و نقدتها المبلغ و اخبرتها انها ستوحشنى . واذ انا اغادر كان الحاج احمد مقبلا فتيقنت انها كانت بالفعل على حق و حمدت الله انها لم تصبح فضيحة و اذا القى بناظرى الى المقهى المقابل للمحل كان الفتى الشط صبى القهوة يدخن سيجارة باستمتاع و يعاكس فتاة من بنات الحارة فتبتسم له بميوعه و حرارة فرحت أفكر هل عواطف تطبق نظرية اقتصادية تقتضى العدالة بين الناس فتمنحنى ما منحت بخمسون جنيها اذا ما كنت الفرخة بخمسة و اربعون حقا بينما تمنح الشط ما تمنح بجنيهين فقط .. ام انها تنظر بحقد على طبقتى المتوسطة و بعطف على الطبقة التى تجمعها هى و الشط. 

قصة تهور

المشاهدات


قصة قصيرة من تأليف جي دي موباسان

قبل الزواج كانا يتحابان بعفة وطهارة.

وكانت بداية حبهما لقاء جميلا في أحد شواطئ البحر، حينما رآها تمر أمامه في الأفق الأزرق الذي يعانق فيه المدى المائي سعة السماء. كانت هي تتهدهد في كامل زينتها، بقامتها النحيفة وشعرها الأشقر ومظلتها الفاتحة. وكان هو يخلط بين الوله الذي ولدته فيه تلك الفتاة وبين الشعور الغامض والقوي الذي يبعثه في روحه وقلبه وشرايينه ذلك النسيم المحمل بالملوحة والحيوية، والمفعم بأشعة الشمس وموجات المحيط.

لقد أحبته لأنه غازلها وكان شابا وغنيا وطيبا وحساسا، أحبته لأنه من الطبيعي أن تحب الفتيات الشبان الذين يقولون لهن الكلمات الرقيقة العذبة. لهذا، خلال ثلاثة أشهر، عاشا جنبا إلى جنب، العينان في العينين، واليدان في اليدين؛ لا يفترقان. وكان لتحية الصباح التي يتبادلانها قبل الذهاب إلى الحمام، ولهمسات المساء فوق المائدة أو تحت نجوم السماء وسكون الليل طعم القبلات المحمومة على الرغم من أن شفاهما لم تلتقيا أبدا.

وحينما يغمضان أعينهما يشرع كل منهما في الحلم بالآخر، وحالما يستيقظان لا يكف كل منهما عن التفكير في الثاني. ودون أن ينطق بكلمة ينادي الآخر ويعبر بروحه وجسمه عن رغبته فيه.

بعد الزواج صار حبهما حسيا؛ في البداية نوعا من الشبق والهيجان المتواصل، ثم ودا ساميا ممزوجا بالمداعبات اللبقة واللمسات الشاعرية اللطيفة والخليعة. وغابت عن أعينهما تلك النظرات البريئة إذ أن كل حركاتهما كانت تذكـّرهما دفئ ساعات الليل الحميمة.

 أما الآن، ودون أن يتجرأ أي منهما على الاعتراف به، وربما دون أن يدركانه بعد، فقد بدأ كل منهما يمل من الآخر. رغم ذلك فهما لا يزالان يتحابان. لكن لم يعد لدى كل منهما ما يكشفه للآخر. ليس هنالك شيء لم يكررا فعله مرات ومرات، لا شيء جديد يمكن أن يتعلمه أحدهما من الآخر: لا اندفاع طارئ ولا نبرة مبتدعة تضفي على الكلمات المكررة والمملة رونقا جديدا.

ومع ذلك كانا يجبران نفسيهما على إيقاظ نار الحب التي عرفاها في إثناء لقاءاتهما الأولى؛ اصطنعا حيلا بريئة وألعابا ساذجة أو معقدة، وقاما بمحاولات خائبة عديدة لكي يضرما لهيب الشوق في قلبيهما ويبعثا في شرايينهما هيجان شهر العسل. وقد يحدث في بعض المرات، بعد أن يبذلا جهودا مضنية في شحذ رغبتهما، أن ينجحا في اصطياد لحظات من الجنون المصطنع الذي تتبعه مباشرة لحظات طويلة من الضجر والتقزز. جرّبا ضوء القمر، والنزهات تحت أوراق الشجر في الليالي الباردة، وضفاف الأنهار الغارقة في الضباب، وازدحام الأعياد الشعبية…

وذات صباح قالت “هنريت” لـ”بول”:

– ألا يمكن أن تصطحبني إلى الملهى؟

– بالتأكيد يا عزيزتي.

– إلى ملهى مشهور جدا.

– بكل سرور.

نظر إليها متسائلا بعينيه ومخمنا أنها تفكر في شيء ما لا تريد أن تقوله. وأضافت:

– إلى ملهى …. كما تعرف… كيف أشرح لك هذا؟ …. إلى ملهى راق. إلى أحد تلك الملاهي التي يعطي فيها بعض الرجال والنساء مواعيد لبعضهم بعضا.

فابتسم قائلا: فهمت: تقصدين كابينة داخل مطعم كبير؟

– نعم، نعم … لكن داخل مطعم كبير يعرفك فيه الجميع وسبق أن تناولت فيه الطعام … تعرف أريد أن … لا، لن أتجرأ أبدا على هذا.

– بلى، قولي، يا عزيزتي.. فيما بيننا هذا لا يعني شيئا. ليس هنالك بيننا أي سر.

– لا، لن أجرأ.

– هيا لا تقومي بدور البريء هذا! تكلمي!

– إذن، إذن… أريد.. أن تعـدني عشيقتك. نعم عشيقتك، وأن ينظر لي الخدم الذين لا يعرفون أنك متزوج بصفتي عشيقتك. وأريدك أنت أيضا أن تصدق أنني عشيقتك.. لمدة ساعة.. في ذلك المكان. وسأؤمن أنا نفسي أنني عشيقتك … سأرتكب خطيئة كبيرة. سأخونك… معك. إنه أمر قبيح. لكني أريده.. لا تجعلني أحمر خجلا هكذا! لا يمكنك أن تتصور القلق والإحراج الذي يسببهما لقائي بك فسي مكان مريب كهذا… مكان يمارس فيه العشق كل مساء، نعم كل مساء !إنه أمر قبيح وأشعر بالخجل. لا تنظر إليّ هكذا!

ورد عليها وهو يضحك مرحا:

– نعم سنذهب هذا المساء.. إلى مكان يعرفني فيه الناس جيدا.

وفي حوالي الساعة السبعة مساءً كانا يرتقيان سلم أحد المطاعم الكبيرة الواقعة في أحد شوارع باريس. كان يقودها وعلى شفتيه بدت ابتسامة المنتصر الذي ضفر بفريسته. أما هي فقد وضعت على وجهها قناعا شفافا. وحالما دخلا كابينة مؤثثة بأربعة كراسي وصوفة عريضة من المخمل الأحمر جاء إليهما مدير المطعم بملابسه السوداء وقدم لهما قائمة الطعام التي أخذها بول وناولها بدوره إلى زوجته قائلا:

– ماذا تريدين أن تتناولي؟

– لا أدري. ماذا يأكل الناس هنا؟

حينئذ بينما هو يخلع معطفه ويناوله إلى الخادم شرع بول يقرأ لزوجته قائمة الطعام:

–  وجبة دسمة: مرق، دجاج، فحسة أرانب، شروخ بالطريقة الأمريكية، سلطة خضار متبلة وحلويات وسنشرب شمبانيا.

في أثناء ذلك كان مدير المطعم ينظر إلى الفتاة وهو يبتسم. وحين استعاد قائمة الطعام قال بصوت هادئ:

– السيد بول يريد مشروبا ساخنا أو شمبانيا؟

– سنشرب شمبانيا نقية.

بدت العادة على وجه هنريت حينما أدركت أن مدير المطعم يعرف جيدا اسم زوجها. وبعدما أحضر لهما الأكل جلسا جنبا إلى جنب فوق الصوفة وأخذا يأكلان. وكانت عشر شمعات تضيء الكابينة وينعكس نورها في المرايا المغطاة بآلاف الأسماء التي نقشت بزوايا الأحجار الكريمة والتي تبدو هكذا كأنها بيت عنكبوت.

كانت هنريت تشرب الكأس تلو الأخرى لكي تصبح أكثر مرحا على الرغم من أنها شعرت برأسها يثقل من الكأس الأولى. وبول الذي أثارته الذكريات وأخذت عيناه تلمعان،  لم يكف عن تقبيل يد زوجته المنفعلة والسعيدة والتي انتابها إحساس غريب من وجودها في هذا المكان المريب. اثنان من الخدم المتجهمين، الصامتين، المتعودين على رؤية كل شيء ونسيان كل شيء وعدم الدخول إلا في اللحظات المناسبة والخروج في الدقائق الحرجة، كانا يجيئان ويروحان في هدوء تام.

في منتصف العشاء، باتت هنريت منتشية، منتشية تماما. وبول، على غير عادته في الأيام الماضية  صار ظريفا وأخذ يهرس ركبتها بشدة. وسرعان ما صارت وجنتا هنريت حمراء وعيناها تشعان بالحيوية والجرأة، ولم تلبث الفتاة أن بدأت تثرثر:

– أوه بول! اعترف! هل تعلم؟ أنني أريد أن أعرف كل شيء.

– تعرفين ماذا يا عزيزتي؟

– لا أتجرأ أن أقوله لك.

– قولي على كل حال.

– هل كانت لديك عشيقات؟ … كثيرات… قبلي؟

كان مترددا. ومستغربا قليلا. لا يدري هل ينبغي عليه أن يخفي مغامراته أو يتفاخر بها.

وأضافت هي:

– أوه! من فضلك! أرجوك قل لي! هل كان لديك منهن الكثير؟

– عدد قليل.

– كم؟

– لا أدري بالضبط. هل نعلم نحن الرجال مثل هذه الأشياْء؟

– ألم تعدهن؟

– لا أبدا.

– أوه! إذن كان لديك منهن الكثير؟

– نعم، أكيد.

– كم تقريبا؟ فقط بالتقريب؟

– لكني لا أدري أبدا يا عزيزتي. في بعض السنوات كان لدي الكثير . وفي سنوات أخرى أقل.

– كم في السنة، قل!

– أحيانا عشرون، ثلاثون. وأحيانا أربع أو خمس فقط.

– أوه! هذا يعني أنه كان لديك أكثر من مئة امرأة.

– نعم، تقريبا.

– أوه! كم هذا مقزز!

– لماذا مقزز؟

– لأنه مقزز. حينما نفكر فيه… كل هؤلاء النساء… عرايا.. وكل مرة الشيء نفسه… أوه! إنه مقرف على كل حال… أكثر من مئة امرأة!

صُدم بول أن تحكم زوجته أن ذلك مقزز. ورد عليها بتلك النبرة المتعالية التي يستخدمها الرجال ليفهموا النساء أنهن يقمن بحماقة ما:

-هذا هو المضحك، حقا. إذا كان الأمر مقززا أن تكون لديك مئة امرأة، فهو أيضا مقزز حينما يكون لديك واحدة.

– أوه! لا. مطلقا.

– لماذا لا؟

– لأنّ المرأة … علاقة، لأنها…  حب يربطك بها. بينما مئة امرأة…! إنها قذارة! سؤ سلوك! لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن أن يسمح رجل لنفسه أن يحتك بهؤلاء الفتيات الوسخات كلهن!

– لا، إنهن نظيفات جدا.

– لا يمكنهن أن يكن نظيفات وهن يقمن بالمهنة التي يقمن بها.

– بالعكس تماما؛ إنهن نظيفات بحكم المهنة التي يقمن بها.

– أوه! حينما تتصور أنهن الليلة الماضية يفعلن الشيء نفسه مع رجل آخر! يا للفضاعة!

– ليس أكثر فضاعة من الشرب في هذا الكوب الذي شرب فيه لا أدري من هذا الصباح، والذي غُسل بعناية أقل، بالتأكيد.

– أوه! اسكت! إنك تستفزني.

– إذن لماذا تسألينني إن كان لدي عشيقات؟

– حسنا، قل لي؛ هل كانت عشيقاتك، المئة، كلهن فتيات؟

– لا.

– من هن إذن؟

– ممثلات، عاملات، وبعض الحظيات…

– كم من هؤلاء الأخيرات؟

– ست.

– ست فقط!

– نعم.

– هل كن جميلات؟

– نعم طبعا.

– أجمل من الفتيات؟

– لا.

– أيهن كنت تفضل: المحظيات أو الفتيات؟

– الفتيات.

– أوه! كم أنت قذر! لماذا هكذا؟

– لأنني لا أحب أبدا التفنن والاحتراف.

– أوه! يا للهول! إنك متوحش؛ هل تعرف؟ قل لي: هل يسليك أن تتنقل هكذا من فتاة إلى أخرى؟

– نعم.

– كثيرا؟

– كثيرا.

– ماذا كان يسليك؟ ألم يكن يشبهن بعضهن بعضا؟

– لا. أبدا.

– لكن النساء يتشابهن!

– أبدا.

– ولا في أي شيء؟

– ولا في أي شيء.

– إن هذا لمضحك. ما هو المختلف لديهن؟

– كل شيء.

– الجسم؟

– بالتأكيد، الجسم.

– الجسم بأكمله؟

– نعم الجسم بأكمله.

– وماذا أيضا؟

– طريقة التقبيل، والكلام، والهمس….

– آه! أنه لمسلٍِ أنْ تـُغيـّر!

– بالطبع.

– وهل الرجال مختلفون؟

– هذا؟…. لا أدري.

– لا تدري؟

– لا.

– ينبغي أن يكونوا مختلفين.

– نعم. بالتأكيد.

وظلت هنريت واجمة في مكانها، تفكر وكأس الشمبانيا في يدها. كان مليئا. شربته دفعة واحدة. ثم وضعته فوق الطاولة وطوقت زوجها بذراعيها، وهمست في فمه:

– أوه! عزيزي، كم أحبك!

واحتضنها بقوة … واضطر أحد الخدم الذي كان يهم بالدخول إلى التقهقر وأغلق خلفه الباب. وتوقفت الخدمة لمدة خمس دقائق تقريبا. وحينما ظهر مدير المطعم مرة ثانية بوقاره وقامته المهيبة، حاملا الفواكه كانت هنريت تحمل كأسا أخرى بين أصابعها، وتحملق في السائل الأصفر الشفاف الذي بداخله كما لو كانت تبحث فيه عن أشياء  مجهولة ومرغوبة. ثم همهمت بصوت حالم: “أوه! نعم، لا شك أنه سيكون مسليا…”

قصة ندم

المشاهدات


تأليف :جي دي موباسان

إنـّه يومٌ خريفيٌّ حزين.

حينما نهض سافال من نومه كانت السماء تمطر، وأوراق الأشجار تتساقط كأنها مطراً آخر أكثر غزارة، وأكثر رتابة،

إنـّه يومٌ خريفيٌّ حزين. وسافال، الذي يطلقون عليه في نانت:الأب سافال ليس مرحاً هذا الصباح. وحالما نهض، شرع يتنقل من المدفأة إلى النافذة، ومن النافذة إلى المدفأة

تكتظ الحياة بالأيام الكئيبة. بالنسبة لسافال، من الآن وصاعدا، لن تحتوي الحياة إلا على أيامٍ كئيبة. إذ أنه قد أنهى عامه الثاني والستين، ولا يزال وحيدا, عانسا، دونما أحد من حوله. كم هو محزن أن تموت هكذا وحيداً، بعيداً عن أي إنسان يمكن أن يشعر نحوك بالامتنان!

شرع يفكر في حياته الخاوية. تعود به الذاكرة إلى ماضيه البعيد، إلى طفولته، في المنزل مع أهله، ثم المدرسة والنزهات، وفترة دراسة الحقوق في باريس. ثم مرض أبيه ووفاته.

بعد ذلك، عاد سافل ليعيش مع أمه. عاش الاثنان معاً: الرجل الشاب، والمرأة العجوز في هدوء دونما حاجة لشيء أو شخص آخر. لكن أمه أيضاً ماتت. فمكث هو وحيداً.

كم هي حزينة الحياة! قريباً سيموت بدوره سيفنى هو أيضاً! وسينتهي كل شيء. لن يبقى هناك سافل على سطح الأرض. شيءٌ مرعب! أناس آخرون سيولدون وسيعيشون وسيحبون بعضهم بعضاً. سيضحكون. نعم سيمرحون، بينما هو لن يكون هنا. أليس غريباً أن نستطيع الضحك والمرح، أن نكون سعداء مع إيماننا الراسخ بالموت؟.. لو كان محتملاً فقط هذا الموت. حينها سيكون بمقدورنا أن نأمل .. لكن لا. إنه محتوم محتوم، كقدوم الليل بعد النهار.

لو كانت فقط حياته مليئة؟ لو كان حقق شيئاً ما؟ لو قام ببعض المغامرات؟ لو حصل على بعض المتع والنجاحات؟ فتات مما لذ وطاب. لكن لا، لا شيء. لم يفعل شيئاً لا شيء غير النهوض والأكل والنوم في المواعيد نفسها. هكذا. حتى بلغ الثانية والستين.. حتى أنه لم يتزوج مثل بقية الرجال. لماذا؟ نعم لماذا؟ لم يتزوج كان يمكنه ذلك. فقد كان يملك ثروة لا باس بها . أهي الفرصة التي لم تسنح؟ ربما لكن نحن الذين نخلق الفرص. لقد كان مهملاً. غير مكترث بشيء. هذه الحقيقة. اللامبالاة كانت مرضه الأخطر. نقطة ضعفه. عيبه. كم من الناس يخسرون حياتهم بسبب عدم اكتراثهم من الصعب على بعض الناس أن ينهضوا، أن يتحركوا، أن يتكلموا. من الصعب عليهم أن يبحثوا حتى عن أصغر الأمور .

لم يحبه أحد. أو هكذا تهيأ له. لم تنم امرأة فوق صدره في لحظة حب عميق. لم يعرف متعه القلق في لحظات الانتظار، ولا قشعريرة اليد المضغوطة،  ولا نشوة الوجد المنتصر. أي سعادة سامية تغمر قلبك عندما تلتقي الشفاه للمرة الأولى وتتشابك أربعة سواعد لتصنع مخلوقاً واحداً مغموراً بالسعادة.

كان سافل جالساً وقد وضع قدميه بالقرب من النار ملتحفاً بثوب النوم؛ لقد خسر حياته. نعم أكيد خسرها تماما. ومع ذلك فقد أحبّ حبّا ظل محبوسا مكتوما. أحب بألم وبعدم اكتراث. كما كان يفعل دائما. لقد حبّ صديقته السيدة ساندرز زوجه صاحبه ساندرز. أواه! لو كان عرفها عندما كانت لا تزال فتاة كان بالتأكد سيتزوجها لكنه تعرف عليها بعد فوات الأوان، بعد أن تزوجت. ومع ذلك فقد حبها دون كلل منذ اليوم الأول.  لازال يذكر انفعاله الشديد في كل مرة كان يلتقي بها, وحزنه عندما يفارقها، والليالي التي لم يستطع خلالها النوم لأنه كان يفكر فيها. عندما يستيقظ في الصباح كان ولهه يتناقص دائما لماذا؟ الآن بلغت الثامنة والخمسين. كم كانت جميلة ولطيفة في ذلك العهد كان شعرها الأشقر مجعدا. كانت تحب الضحك. ومع أن ساندرز لم يكن الزوج المناسب لها فقد أصبحت سعيدة ..

آه لو كانت تلك المرأة قد أحبته؟ ومن يدري؟ لماذا لم تكن لتحبه بما أنه كان يحبها؟ ألم تخمن شيئاً؟ ألم تر شيئاً؟ ألم تدرك شيئاً أبداً؟ ماذا يمكن أن تظن لو أنه صارحها؟ ماذا يمكن ردها؟

ظلّ سافل يتساءل عن عددٍ من الأحداث المماثلة في حياته الماضية.. وتوقفت ذاكرته عند السهرات الطويلة التي كان يضيفها في بيت صديقة ساندرز عندما كانت زوجته لا تزال شاب وجذابة. يتذكر أشياء قالتها له، صوتها، ابتسامتها الصامتة الرقيقة والمليئة بالإيحاءات. ويتذكر النزهات التي كان الثلاثة يقومون بها معاً على ضفاف نهر السين، وتناول طعام الغداء فوق العشب في عطلة الأحد، إذ أن ساندرز كان موظفاً في إدارة المأمور…

وفجأة عادت إلى ذاكرته وبوضوح نزهة قام بها مع السيد ساندرز وزوجته في إحدى الغابات الصغيرة الواقعة عند ضفة النهر. كانوا قد رحلوا في الصباح حاملين مؤنهم في صدر صغيرة. كان ذلك اليوم الربيعي مشرقاً. يوم من الأيام التي تجعلنا نشعر بالنشوة: كل شيء يفوح بالعطر. كل شيء يبدو سعيدا، الطيور أكثر مرحا ورفرفة أجنحتها أسرع.

في ذلك اليوم، أكل سافال والسيد والسيدة ساندرز فوق العشب. في ظل شجرة صفصاف، بالقرب من بركة ماء غمرتها الشمس بأشعتها. وكان الهواء دافئاً مفعماً بأريج الندى الذي يجعل المرء يشعر بالثمالة عند استنشاقه. كم كان الجو صحواً ذلك اليوم

بعد الغداء، تمدد ساندرز  فوق العشب. ونام “أفضل نوم في حياتي!” قال لهما عندما أيقظاه قبيل الغروب. أما سافال فقد أمسك بذراع السيدة ساندرز وسارا معاً بمحاذاة النهر. وكانت هي تستند به وتضحك قائلة: “إني أشعر بالثمالة، يا صديقي، أني منتشية”. وكان هو ينظر إليها بهلع شديد، فقد امتقع وجهه من شدة خوفه أن تشعر السيدة ساندرز بالحرج من جرأة نظراته إليها. كان يخشى أيضا أن تتبين السيدة ساندرز رعشة يديه، وتكتشف حقيقة مشاعره.

فجأة سألته السيدة ساندرز وقد وضعت فوق رأسها تاجا من العشب وأزهار الزنبق المائية قائلة: “هل تحبني هكذا؟”. وعندما رأته لم يرد عليها لأنه لم يجد شيئاً يقوله لها، أخذت تضحك باستياء، ثم قالت بعنف: “إذن، فلنتحدث على الأقل أيها الأبله!” حينئذ كاد أن يبكي دون أن يجد كلمة واحدة يقولها.

عادت كل هذه الإحداث إلى ذاكرته الآن، بكل تفاصيلها الدقيقة كأنها وقعت اليوم. لماذا قالت لهك إذن فلنتحدث على الأقل أيها الأبله! وتذكر كيف كانت تستند إليه برقة وحنان؟ وفي لحظة مرورها تحت إحدى الأشجار المنحنية حس بأذانها تلامس وجنته، فتراجع هو بسرعة خشية أن تظن أنه قد تعمد هذا الاحتكاك. وعندما قال لها:  ألم يحن الوقت للعودة بعد؟ رمقته بنظرة غريبة. لم يدرك ذلك حينذاك. وهاهو الآن يتذكر كل شيء.  “كما تشاء يا عزيزي أن كنت متعباً فلنعد”. قالتها ببرود. ورد عليها: ليس بسبب التعب، لكن ربما يكون ساندرز قد استيقظ. فقالت وهي تهز أكتافها: “أوه إذا كانت تخشى أن يستيقظ زوجي فهذا شيء آخر! فلنعد”.

في طريق العودة ظلت صامتة، ولم تتكئ على ذراعه. لماذا لم يحاول من قبل أن يجد جوابا لهذا السؤال. أما الآن فيبدو أنه قد وجد شيئاً لم يكتشفه من قبل:

-هل….؟ شعر سافل بالدم يتدفق في شرايينه وأحمر وجهه، فنهض منفعلاً كما لو أنه عاد حقا ثلاثين عاماً إلى الوراء، وكأنه يسمع ساندرز تقول له: أحبك

هل كان هذا ممكناً؟… أخذ الشك يتسلل إلى كيانه، وما أنفك يعذبه. هل يمكن أنه لم ير شيئاً؟ لم يخمن؟ أوه لو هذا كان صحيحاً! لو أنه اقترب من السعادة دون أن يمسك بها! وقال لنفسه: أريد أن أعرف. لن أستطيع أن أعيش مع هذا الشك. أريد أن أعرف. وهرع يضع ملابسه وهو يفكر: عمري اثنتان وستون سنة وعمرها ثمان وخمسون سنة يمكنني أن أسالها عن هذا الأمر دون خجل وحرج.

ويقع منزل ساندرز في الطرف الأخر من الشارع أمام بيته تقريباً. و عندما طرق الباب فتحت له خادمة صغيرة مندهشة لمجيئه مبكراً. قائلة له:

– أنت؟ في هذه الساعة؟ هل وقع حادث يا سيد سافال؟

– لا بابنتي. رد عليها وأضاف: اذهبي واخبري سيدتك أنني أريد مقابلتها حالاً.

– وفي الحقيقية سيدتي في المطبخ تحضر مؤنه الشتاء من مربي الخوخ. وهي لم تلبس بعد لعلك تفهم ذلك.

–نعم لكن قولي لها أني جئت لأمر مهم جداً.

بعد أن غابت الخادمة شرع سافل يذرع قاعة الاستقبال بخطوات واسعة مضطربة. لن يشعر بالخجل هذه المرة. سيطرح عليها السؤال كما لو كان سيطلب منها وصفة طعام. لا داعي للخجل ما دام عمره قد تجاوز الثانية والستين. انفتح الباب وبرزت السيدة ساندرز. أنها الآن امرأة بدينة وعريضة ومدورة وجنتاها مكورتان وضحكتها رنانة تمشي ويداها بعيدتان عن جسمها، فقد كانتا ملطختين بمعجون السكر.

سألته بقلق: “ماذا جرى لك يا صديقي أنت لست مريضاً؟”

– لا يا عزيزتي. ورد قائلاً ، لكني أود أن أسالك عن أمر مهم جداً بالنسبة لي، فهو يعذبني ويثقل خاطري هل تعديني بأن تجيبيني بصراحة؟

– أني دائما صريحة. ردت مبتسمة.

– لقد أحببتك منذ أول يوم رأيتك فيه.  ألم يساورك شك في ذلك؟

ردت عليه وهي تضحك وفي صوتها شيء من نبرة الماضي: أيها الأبله، لقد أدركت ذلك منذ اليوم الأول.

بدأ سافل يرتعش، وقال هامساً:

– كنت تعرفين إذن؟ وسكت

 فسألته: أذن ماذا؟

– إذن؟ ماذا كنت تعتقدين؟ ماذا كنت ستقولين؟

ضحكت مرة أخرى وبصوت مرتفع بينما كانت قطرات السكر السائل تتساقط من أصابع يديها فوق الأرضية الخشبية. ثم قالت؟

-أنا؟ لكنك لم تطلب شيئاً مني؟ ولم يكن من اللائق أن أصارحك بشيء.

عندئذ تقدم سافل نحوها خطوة وقال:

قولي لي؟ اخبريني؟ أتذكرين ذلك اليوم عندما نام ساندرز فوق العشب بعد أن تناولنا الغذاء … وذهبنا نحن الاثنان حتى المنعطف هناك.

وانتظر. كانت هي قد توقفت عن الضحك وأخذت تنظر في عينيه وقالت: “

– بالتأكد أتذكر كل هذا.

فاستطرد بانفعال: “… حسنا! ذلك اليوم، لو كنت لو كنت جرئيا ماذا كنت ستفعلين؟”

ابتسمت السيدة ساندرز وقد بدت كامرأة سعيدة لم تندم أبدا على شيء. وردّت بصوت صاف يكشف عن الصراحة وقدر من السخرية:

– كنت سأعطيك ما تشاء يا صديقي

ثم أعطت سافال ظهرها وذهبت إلى مرباها. أما سافال فقد خرج إلى الشارع مرعوباً كما لو أنه قد شاهد كارثة طبيعية. وسار مهرولاً تحت المطر في خط مستقيم باتجاه النهر دون أن يفكر أين هو ذاهب.  وعندما وصل إلى الضفة اتجه إلى اليمين بمحاذاة النهر مشى طويلاً كما لو أنه مدفوع بغريزة ما في ما في داخله. كانت ثيابه تسبح في المياه التي تنهمر من على قبعته المشوهة اللينة كأنها من على سطح أحد البيوت.

وأستمر سافال يسير إلى الأمام حتى لقي نفسه في المكان نفسه الذي تناولوا فيه طعام الغذاء في ذلك اليوم البعيد. لقد قلبت ذاكره كيانه وأخذت تعذبه أكثر وأكثر. وعندئذ جلس تحت الأشجار العارية. وبكى.